الواعظ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الواعظ

منتدى ديني اسلامي عقائدي باشراف الشيخ محمد الشيخ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 النقد الذاتي في الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشيخ محمد الشيخ
صاحب المنتدى
صاحب المنتدى
الشيخ محمد الشيخ


ذكر عدد المساهمات : 45
تاريخ التسجيل : 23/01/2011
العمر : 53

النقد الذاتي في الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: النقد الذاتي في الاسلام   النقد الذاتي في الاسلام Emptyالجمعة يناير 28, 2011 2:34 pm

النقد الذاتي في الإسلام

أ – ما هو النقد الذاتي
النقد الذاتي : هو نقد الفرد نفسه ، أو نقد الأمة أو بعض قطاعاتها ألاجتماعية نفسها وذلك ، بالتحليل العميق الواعي ، من أجل تحديد مواطن النقص ، وأسباب العجز والمؤثرات المؤدبة إلى وجود العيوب والنواقص .
ويتمثل ذلك في الفرد في تحليل الدوافع الذاتية للعمل من جهة ، وتحديد المؤثرات الخارجية التي شاركت في اتخاذ هذا الموقف أو ذاك .
فقد يستسلم الإنسان لموقف تأييد لبعض الأشخاص أو رفض لبعض آخر ، وقد بكون هذا الموقف محاطاَ ببعض الجوانب الخاصة من جهة ، ببعض الجوانب العامة من جهة أخرى .
فإذا أراد أن بعرف قيمة عمله من الداخل فبإمكانه تحليل الدوافع الخفبّة التي شاركت في إندفاعه للعمل ، فقد يكتشف الصفة الخاصة هو بتخبّل انطلاقه من الصفة العامة ، وقد بكون هذا الموقف واقعاّ تخت رحمة مؤثرات عديدة ، ولا بعرف الإنسان السبب الأعمق في التأثير ، فيكتشفه بعد التحليل ، ليكتشف طبيعة المؤثرات الخارجية التي تضغط على إرادته مثل ذلك في الأمة ، في تحليل المواقف الكبيرة التي تقفها من الأحداث ، أو الأحداث التي تقتحم حياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتؤدي بها إلى تقدم أو تأخر وتقودها إلى هزيمة أو إنتصار ... فقد تختلط المؤثرات ، وتتشابك الأسباب .. ويأتي دور النقد الذاتي الذي يحلل ذلك كله من خلال تحليل الأفراد المسئولين أعمالهم ، وتحديد المؤثرات العامة والخاصة ، وأسباب الربح والخسارة ، ومواطن النجاح والفشل ... وللوصول إلى معرفة أعمق ، وفهم واسع لطبيعة الموقف وأبعاده ..
ب _ حاجتنا إلى النقد الذاتي
تنبع حاجتنا إلى النقد الذاتي إلى فهم أنفسنا في أبعادها الداخلية والخارجية ، وإلى فهو واقعنا بكل ما يشتمل عليه من ظاهر وحركات ، فإن الإنسان الذي لا يعرف نفسه لا يملك معرفة وجهة حياته ، لأنه لا يدري من أين تنطلق خطاه وإلى أين تسير ... فهل تنطلق من قاعدة المنفعة الذاتية ، أو من واقع الرسالة العامة ؟ وهي تتجه إلى القمة أو تنحدر إلى الحضيض فقد يختلط الأمر على الإنسان ، فيخيّل إليه إنه يسير على أساس الحق في لحظات الإنفعال المرتجل ، ولكنه إذا فتش نفسه ، إكتشف إنه بسير على أساس ذاتي محض ، لا يتصل بالحق من قريب أو من بعيد ، لأن الدوافع الحقيقية للحركة لا تطفو على السطح ، بل تستقر في أعماق النفس ودهاليز الشعور ، بشكل لا شعوري فلا تظهر إلا للبحث العميق الذي يفتش ويحلل ويحاكم ... وتبقى الدوافع تعطي للعمل طابعه الظاهري الذي يخدع الأعيّن التي يبهرها السراب .
وهكذا قد نجد أنفسنا وجهاَ لوجه أمام الواقع الذي نتخبط فيه ونعيش في أجوائه سواءَ أكان واقعاَ دينياَ أو سياسياَ أو إجتماعياَ أو اقتصادياَ ، فقد يخضع فهم هذا الواقع لتفسيرات سطحية مرتجلة ناشئة عن النظرة الإرتجالية التي تتسلم للأسباب القريبة الجاهزة التي تبدو للعين من أول نظرة ، دون أن تكّلف نفسها عناء البحث عمّا وراء ذلك من أسباب ، أو تتعرف إلى الجوانب البعيدة التي ساهمت في ولادة هذه الظاهرة أو نشوء هذا الواقع .
أمّا خطر ذلك فيتمثل في تشويه الصورة الحقيقية للمشكلة في ظل الواقع ، مما يسبب بعداّ عنها وعن الحلول العملية الصحيحة لها ... فربما يكون الداء في جانب ، وتكون المعالجة
بجانب آخر وربما ترتبط المشكلة بأكثر من جهة ، ويكون الحل منطلقاَ من جهة واحدة ...
وهكذا تضيع الخطوط التي يسير عليها الإنسان في الوصول إلى فهم الواقع أو حل مشكلته .ولن يختلف الأمر في هذا الموضوع ، بين أن يكون الموقف على مستوى واقع الفرد ، وبين أن يكون على مستوى واقع المجتمع أو الأمة بشكل عام ، لأن كلآ منهما يرتكز على أساس طبيعة الفهم الحقيقي الذي يشارك في علاج الواقع . أو الفهم الخاطيء الذي يساهم في تعقيده وإرباكه من جديد فهنالك بعض الحالات التي تعيش فيها الأمة ، بعض الهزائم والانتصارات ، فتحاول دراسة الأسباب التي هيّأت للهزيمة ، أو شاركت في النصر ... فإذا انطلقت من خلال النظرة السطحيّة التي تحاول أن تنظر إلى الجوانب الظاهرية للأمور ؛ كانت النتيجة إبتعاداَ عن القضية وعن الحل الصحيح للمشكلة ، أو عن الدرس العملي الذي نستفيده منها للمستقبل ، فقد نرجّع النصر إلى القوّة الذاتية التي كنا نملكها في المعرفة ، ونغفل بقية الأسباب التي قد يكون من بينها الموقف السياسي العالمي أو الإقليمي الذي إستطاع أن يعطي بعض الفرص ، أو يخلق بعض المؤثرات وستكون النتيجة إننا سنعتبر القوة كل شيء ، فيخيّل لنا إنها الأساس الذي ترتبط به معارك الماضي ، فنتعرف على هذا الأساس بينما يكون الموقف السياسي مختلفاَ كل الاختلاف عن الموقف في المعركة الماضية .
وربما يكون للظروف الخاصة الداخلية والخارجية ، التي يعيشها العدو المهزوم بعض الأثر في هزيمته .. فإذا لم ندخلها في حسباننا ـ في حالة تحليل الواقع ـ فستكون النتيجة لمصلحته في الجولة القادمة عندما تتغيّر ظروفه التي ساهمت في إنتصارنا أو في هزيمته .
أمّا في حالة الهزيمة ، فقد نسيء فهم الأسباب التي شاركت فيها ، فنُرجع السبب إلى ظروف خارجة عن إرادتنا أو قدرتنا ، في محاولة ساذجة للتبرير ، تعتمدها الشعوب المهزومة في عمليّة ساذجة لحفظ ماء الوجه ، أو إيحاء ببقاء الكرامة .
ومن الطبيعي إن ذلك سوف يخفي عنا الأسباب الحقيقية التي تكمن في تصرفاتنا العملية في واقعنا الفكريّ والسياسي والإجتماعي ، فربما يكون لها أكبر الأثر في ذلك كله ، دون أن نلتفت إليها أو نحسب لها أقل حساب .
ولن نحتاج إلى جهد فكري كبير لنفهم إن ذلك سوف يكرّس الهزيمة للمستقبل ، كما كرسّها للماضي لأننا سوف نظل حيث نحن نراوح أقدامنا في مواقع الهزيمة وبدايات الطريق نتطلع إلى خارج قدراتنا وإرادتنا، بعيداَ عن الواقع الداخلي الذي ترقد في أعماقه الهزيمة .
وربما تتمثل الحاجة إلى النقد الذاتي في دراسة بعض الأوضاع التي درجنا على ممارستها في شؤون الدين والدنيا ، إنطلاقاَ من عادات قديمة أو تقاليد مستحكمة ، أو نظرة خاطئة تجد في هذه الأوضاع الشاذة ضماناَ لقيم معينة ، أو مبادئ كبيرة ، وترى أن زوال هذه الأوضاع يشكل خطراَ على تلك القيم والمبادئ ـ كما نراه في الكثيرين الذين يصّرون على إبقاء المظاهر المتخلفة لبعض المُمارسات التي إصطبغت بصبغة دينية أو اجتماعية ـ بحجة إنها هي التي تحفظ الضوابط التي يحتاجها المجتمع في حياته الدينيّة والاجتماعية .
ربما نحتاج إلى النقد الذاتي ـ في هذه الحالة ـ لنعرف كيف نشأت هذه الأوضاع ، وكيف إنطلقت جذورها لتفرض وجودها على الدين والمجتمع ، ثم لندرس تأثيرها العكسّي على الواقع الدينيّ أو الإجتماعيّ بما تمثله من مظاهر التخلف ... ثم لنتعرف ـ من خلال فهمنا لواقعنا المعاصرـ كيف يمكننا الحصول على ضوابط جديدة بعيدة عن التخلف ، لتحفظ للمجتمع عقيدته وتوازنه وتساهم في التوفيق بين طبيعة الوسيلة وبين طبيعة الغاية في مستوى الممارسة .

هكذا نخلص ـ من خلال هذا العرض الموجز ـ إلى نتيجة حاسمة : وهي أن حاجتنا إلى النقد الذاتي ، تنبع من حاجتنا الملحة إلى أن نكتشف في ذواتنا وفي حياتنا ، وأقوالنا وأفعالنا مواطن القوة ، ومراكز الضعف ، ونتعرف أسباب ذلك كله لنستطيع تطوير ما يمكن تطويره من مراكز القوة ، وإكمال ما نستطيع إكماله من مواطن النقص ، وتقوية ما نقدر على تقويته من حالات الضعف .
وربما نحتاج إلى النقد الذاتي في الحالات التي يتعرض فيها الإنسان إلى بعض الأوضاع الإجتماعية التي تتضخم فيها شخصيته ، وترتفع مكانته بفعل المؤثرات الخاصة التي تعطي الشخص أكثر من قيمته .. فقد يخبّل إلينا ـ في لحظات الانفعال العاطفي ـ إنه يملك هذه الشخصية ويرتفع إلى هذا المستوى ، فيقع ضحيّة غرور ذاتي يؤدي به إلى الهلاك في النهاية
ربما نشعر بقيمة الذاتي في هذه الحالة ...
بالنظر إلى أنه ينفتح به على واقع حياته كما هو ، فيلتفت إلى مواهبه ، وكفاءاته ليعرف حجم شخصيته على الطبيعة دون زيادة أو نقصان ، لينطلق إلى الحياة من خلال ذاته ، لا من خلال الورم الذي يتراكم عليها بلا معنى ودون حساب .
وقد نلمح الدعوة إلى هذه الممارسة في دعاء في مكارم الأخلاق :
(( اللهم لا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها ، ولا تحدث لي عزاَ ظاهراَ إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها )) فنحن نلاحظ أن الدعاء يهدف إلى أن يلتفت إلى واقعها الطبيعي بعيداَ عن مظاهر الرفعة الظاهرة ، لئلا يختل التوازن في واقع حياته كما يدعو إلى أن لا تشغله مظاهر العز التي يحصل عليها من خلال نشاطه ومواهبه عن مواطن النقص التي توحي بإستشعار التواضع والذلة في نفسه ، كنتيجة طبيعية لذلك . وقد نلمح ذلك فيما يروى عن الإمام علي عليه السلام عندما كان يواجه بعض الناس بالمدح والثناء إنه كان يقول :
(( اللهم اجعلني خيراَ مما يظنون وأغفر لي ما لا يعلمون )) فنلاحظ أن المدح لم يصرفه عن النظر إلى الجوانب الأخرى التي تكمن بعيداَ عن نظر الناس في داخل ذاته .
ولن يختلف هذا الإسلوب بين الحالة التي يخلص الناس له فيها بالمدح عن إعتقادِ بصلاحه وبين الحالة التي يحاول يحاولون أن يتزلفوا إليه ، أو يخدعوه عن نفسه ، ـ لأنه في كلا الحالتين ـ يتعرض لخطر الغرور الذي يؤدي به إلى فقدان التوازن في حياته ، وهذا ما لا يريده الإسلام . وقد نجد مثل هذا النموذج في واقع الهيئات و المنظمات السياسية والإحتماعية التي تنطلق ـ في البداية ـ نحو أهدافها العملية باتـزان و إستقامة ، فيحاول أعداؤها تفجير تفجـير من الداخل بأسلوب التضخيم المتطرف لنشاطاتها العادية والتركز على قيادتها بتبسيط الأضواء على شخصياتهم بدون ميزان لينتهي الأمر ـ بعد ذلك إلى الغرور الزهو الفارغ الذي يوحي لها بأنها فوق مستوى النقد مما يجعلها تعتبر الخطاء صواب, والانحراف استقامة, والباطل حقاً, دون التفات إلى نقد الناقدين ووعظ الواعظين وإرشاد الراشدين .. الأمر الذي يؤدي بها إلى الوقوع في الأخطاء الكبيرة التي تجعل مقاتلها باديةً للعداء دون المقاومة .
أن عملية النقد الذاتي ـ في هذه الحالة ـ تمثل جرس الإنذار إزاء هذا الموقع قبل أن يستفحل ويستعصي على المعالجة , لأنه يكشف الأزمة قبل أن تنعقد , ويرجع القافلة إلى الطريق قبل إن تبتعد كثيراً في صحاري التيه .
ولذا فأن القضية نظرية جامدة تعيش في متاحف النظريات , بل هي قضيةٌ عمليةٌ يواجه فيها الفرد أو الأمة الواقع الحي على الطبيعة مجرداً عن كل خيال وانفعال من أجل التعرف عليه من جميع جوانبه , والعمل على دفعه نحو التقدم في اتجاه المستقبل .
ج _ موقف الإسلام من النقد الذاتي
عندما نقترب من النصوص الدينية التي عالجت موضوع النقد الذاتي ودعت إليه , نلاحظ إنها بدأت في أيجاد الداخلي له.
ولعل ذالك يعتبر من الأمور الضرورية في هذا المجال , لان من غير الطبيعي أن يمارس الإنسان علية النقد في الأجواء الذاتية التي يعر معها بالكمال النفسي الذي يتمرد على النقص , ويعلو على النقد .
وعلى هذا الأساس , جاءت الآيات الكريمة التي توحي للإنسان بأنه ليس فوق مستوى الشبهات , فهناك مواطن ضعف كثيرة تعيش في داخل نفسه وتقتحم عليه حياته ..وهذا م تعبر عنه الآية الكريمة في سورة يوسف : (( وما أبرّئ نفسي أنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربّي )) 53 (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) 32 النجم فقد نستطيع أن نفهم من هاتين الآيتين أن ألإسلام لا يوافق على منع النفس الحكم بالبراءة من كل سوء مادامت النوازع الداخلية تثير في الإنسان معان السوء والشر والظلال ، ومادام الإنسان يستجيب لها في بعض الحالات ، فكيف يمكن له أن يزكيها ويدعي لها العصمة من كل نقص والسلامة من كل سوء وقد حاولت بعض الآيات أن تشير إلى بعض مواطن الضعف في الإنسان بشكل صريح من أجل أن يلتفت الإنسان إلى ذلك فيحاول تحليل بقية مواقفه وأعماله على ضوء ذلك ويعمل على محاكمتها في هذا الاتجاه وذلك كقوله تعالى : (( خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون )) الأنبياء : 37 وقوله تعالى(( وكان الإنسان عجولا )) : الإسراء : 11 وقوله سبحانه (( وخلق الإنسان ضعيفاَ )) : النساء 28 ثم إنطلقت الآيات الكريمة لتواجه الإنسان بمسؤوليته في أعماله أمام الله سواء أكان العمل صغيراَ أم كبيراَ ، لتثير في نفسه الشعور العميق بالحاجة إلى القيام بدور المحاسبة الدقيقة التي تفصل بين العمل الصالح وبين العمل غير الصالح . وهذه الآيات التالية (( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها )) : النحل 111 (( وقفوهم أنهم مسؤلون )) الصافات : 24 (( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراَ ولا يظلم ربك أحداَ )) الكهف : 49 ثم تنطلق الدعوة إلى النقد والتأمل والتفكير فيما عمل الإنسان ، وفيما قدم ، لأجراء كشف دقيق على جميع أعماله وأقواله في الدنيا (( يا أيها اللذين أمنوا اتقوا الله والتنظير نفس ما قدمت لغد واتقوا الله أن الله خبير بما تعلمون )) الحشر : 18 أن هذه الآيات تحاول أن تهيئ الجو النفسي للقيام بهذا الدور تجاه نفسه ، ليعرف كيف يواجه الله بصدق وأيمان .
عندما نقترب من النصوص الدينية في نطاق الحديث النبوي الشريف ، وأحاديث أأمة أهل البيت ( عليهم السلام )) نجد الدعوة إلى المحاسبة والنقد الذاتي ، واضحة صريحة مؤكدة .
ففي الحديث النبوي الشريف (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا )) وفي حديث نبوي أخر ، وفي وصيته المأثورة عنه ، لأبي ذر الغفاري عليه الرحمة :
(( يا أبا ذر : لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه ، فيعلم من أين مطعمه ، وأين مشربه ، ومن أين ملبسه ، أمن حلال أو من حرام ؟ ))
ويروى عن الإمام علي عليه السلام إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال : (( أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت )) .
فقال رحل للإمام : يا أمير المؤمنين . كيف يحاسب نفسه ؟
قال عليه السلام : إذا أصبح وأمسى رجع إلى نفسه وقال : يا نفسي أن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداَ والله يسألك عنه بما أفنيته فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدته ؟ أقضيت حوائج مؤمن فيه ، أنفست عنه كربة ، أحفظته بظهر الغيب في أهله وولده ؟
أحفظته بعد الموت في مخلفيه ؟
أكففت عن غيبة أخ مؤمن ، أأعنت مسلماَ ؟
ما الذي صنعت فيه صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه ، فإن ذكر انه جرى منه خير حمد الله وكبّره على توفيقه وإن ذكر معصية أو تقصيراَ استغفر الله وعزم على ترك معاودته ونلاحظ – في هذا الحديث – انه يطرح نموذجاً لعملية المحاسبة ، ليكون اسلوباً يمارسه الشخص في العمل فقد يكون الموضوع الذي يواجه عملية الحساب فيه ، ماذا عمل ؟ ليكون التحليل لمفردات العمل الذي صدر منه ، اما اذا كان الموضوع هو دوافع العمل فلابد ان تكون النتيجة في الجواب تحديد النوازع الذاتية التي انطلق منها العمل .. وربما تكون القضية قضية موقف خاطيء صدر منه او شارك فيه ، فينطلق السؤال في مواجهة المؤثرات التي شاركت في الخطأ من قبله او من قبل غيره وعلى أي حال ، وليس الامام في معرض التحديد لطريقة المحاسبة ، ونوعية النقد ، بل هو في مجال إعطاء النموذج لذلك ليسير الانسان على هداه فيما يماثله او يشابهه بالقضايا والمواقف ... وعلى ضوء هذا نعرف ان هذه النصوص وان ركزت على الحساب في الدنيا من اجل مواجهة الحساب في الاخرة مما يوحي بان المسألة ليست مسالت النقد الذاتي في نطاق حياتنا التي تعيش .. الا اننا نلاحظ فيها شمول النظرة من جانبين :
الاول : ان الحساب الذي يهدف إلى تصفية الإنسان أعماله امام الله في الاخرة لا ينفصل عن المحاسبة في واقع حياتنا المعاش ، لان حياتنا هذه ، بكل ما فيها من خير او شر ، او قوة او ضعف ، أو نجاح او فشل ، هي التي نحاسب عليها في الاخرة ، لان لكل جانب من هذه الجوانب حكماً لله يراد من الإنسان تنفيذه والإخلاص له ، فيثاب على أطاعته ، ويعاقب على عصيانه والتمرد عليه ، سواء كان ذلك الشيء يتعلق باصل العمل ، او بنوعيته وأبعاده .
الثاني : إن هذه الأحاديث تستهدف وضع الانسان في جو النقد والمحاسبة ليسير في هذا الاتجاه ، .
واذا تعلم إن الإنسان كيف يحاسب نفسه من خلال الآخرة ، عرف – من خلال ذلك – كيف يحاسب نفسه في شؤون الدنيا ، لأن طريقة الحياة وأسلوبها في بعض الجوانب ينطبع على بقية الجوانب فأن أسلوب الإنسان في مواجهة حياته وممارستها لا يتغير ولا يختلف باختلاف مفرداتها وأبعادها .
ولعل أوضح كلمة تضع أيدينا على المعنى الشامل لهذا المبدأ هي كلمة النبي صلى الله عليه وآله المتقدمة :- (( وزنوها قبل أن توزنوا ..)) فأنها دعوة إلى القيام بعملية تقييم للنفس من الداخل والخارج قبل أن توضع في الميزان وفي عملية التقييم دون الشعور . وربما نجد في بعض النصوص الدينية ، الدعوة إلى أن يمارس عملية النقد فيما يقدم عليه من أعمال وما يريده من مشاريع ، قبل أن يقدم عليها أو يخوض فيها ففي نهج البلاغة : - من كلام الإمام علي عليه السلام فليصدق رائد أهله ، وليحضر عقله ، وليكن من أبناء ألآخرة فإنه قدم ، واليها ينقلب فالناظر بالقلب عامل بالبصر يكون مبتدأ عمله أن يعلم ... أعمله عليه أم له ؟))
فان كان له ، مضى فيه وأن كان عليه وقف عنه فإن العامل بغير علم كسائر في غير طريق فلا يزيد ه بعده عن الطريق إلا بعد من حاجته ، والعامل بالعلم كسائر على الطريق الواضح فلينظر ناظر ، أسائر هو أم راجع ؟ وقد نجد في الأدعية الكثيرة التي وردتنا في الثراث الإسلامي _ عن أئمة أهل البيت عليهم السلام نماذج حية من أساليب النقد الذاتي الذي يعتم على التحليل المواقف والظواهر من أجل الوصول إلى الأسباب التي شاركت في حدوثها ، أو الجوانب التي ارتكزت عليها ، أو الآفاق التي تعيش فيها .. كل ذلك بطريقة روحية واعية ينطلق فيها ألإنسان بين يدي الله ، ليكتشف نفسه في أبعادها الخفية والظاهرة .
ولعل من أوضح هذ النماذج الفقرات التالية في دعاء أبي حمزة الثمالي الذي يقرأ في السحر في شهر رمضان (( اللهي مالي كلما قلت قد تهيأت وتعبأت واستعديت ، وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ، ألقيت علّى نعاساَ إذا أنا صليت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيتك



هـ - خاتمة المطاف :
وفي نهاية المطاف :- نجد اننا نقف وجهاَ أمام قضية النقد على جميع ألوانه وأقسامه ، لنواجه الموقف الإسلامي الذي يدعونا إلى السير به في نطاقه الذي أراده الله ، وهو الجانب الذي لا يستهدف الهدم لمجرد الهدم ، والتخريب من أجل التخريب ، بل يستهدف البناء والإصلاح والتقييم وإعطاء الواقع صفته الواقعية دون زيادة ولا نقصان . ثم ... نلتفت إلى ذواتنا وأوضاعنا العامة والخاصة لنعيد النظر فيها على أساس النقد الذاتي الذي يحلل للنفس دوافعها وأعمالها ، ويفتش في الظواهر والأوضاع عن أسبابها وأبعادها ، لتلتقي بالحقيقة الخاصة دون لف أو دوران .. ولنصل في النهاية إلى شاطيء الأمان حيث يلتقي الإنسان بالحق والخير والإيمان جميعا ، بين يدي الله والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .


محمد حاجم حميدي بيت الشيخ
سورية – السيدة زينب عليها السلام /1999
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alshek.yoo7.com
 
النقد الذاتي في الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الواعظ :: قسم الترحيب :: قسم ديوانية الاعضاء-
انتقل الى: